إِنَّ الْحَـــــــمْدَ لِلهِ تَعَالَى، نَحْمَدُهُ وَ نَسْتَعِينُ بِهِ وَ نَسْتَهْدِيهِ وَ نَسْــتَنْصِرُه
وَ نَــــعُوذُ بِالْلهِ تَعَالَى مِنْ شُــــرُورِ أَنْفُسِنَا وَ مِنْ سَيِّئَــــاتِ أَعْمَالِنَا
مَنْ يَـــهْدِهِ الْلهُ تَعَالَى فَلَا مُضِــــلَّ لَهُ، وَ مَنْ يُـضْلِلْ فَلَا هَــــادِىَ لَه
وَ أَشْــــــــــهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الْلهُ وَحْــــــدَهُ لَا شَــــــرِيكَ لَه
{{ الحث على العمل للآخرة }}
{ للأمانة...الكاتب :: محمد بن صالح الشاوي}
الخطبة الأولى
الحمد لله المحمود بكل لسان، خلق الإنسان وعلَّمه البيان، (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ القَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الحَمِيدِ)[الحج: 24]، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد العزيز المتعال.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أكمل الخلق وأفصحهم مقالًا، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحابته ومن اقتفى آثارهم، وسار على طريقهم في الهداية والكمال، صلاة دائمة كما شاء ربنا المفضال.
أما بعد، أيها المسلمون: اعلموا أن الله - جل وعلا - قد أبان الطريق، وأوضح السبيل، فمن أراد الجنَّة وسعى لها سعيها، فأولئك كان سعيهم مشكورًا، وسيلقون جزاءهم عند من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وسيضاعف - تبارك وتعالى - أعمالهم، فالحسنة بعشر أمثالها، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)[الزلزلة: 7].
وأما من تغافل عن أمر آخرته، وشغلته الحياة الدنيا بمباهجها ومفاتنها، وأنسته هول يوم القيامة، وما أعد الله فيها للمتقين؛ من نعيم مقيم، وجنة عرضها كعرض السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وأما ما أعد الله فيها للفاسقين، المتخلفين عن ركب المؤمنين؛ الذين قَدَّموا إرضاء شهواتهم وغرائزهم الدنيئة، ونوازعهم الذاتية على رضا خالقهم، واستهزؤا بحياتهم، وظنوا أنهم غير مسئولين عن أعمارهم: فيم قضوها؟ وغير مسئولين عن أموالهم: فيم أنفقوها؟ وغير مسئولين عن أوقاتهم: فيم أضاعوها؟.
ظنوا هذه الظنون الباطلة، ونسوا وتناسوا ذلك اليوم الموعود؛ الذي يشيب لهوله الأطفال، وتقشعر من ذكره الجلود، ذلك اليوم الحار القائظ الرامض؛ الذي يعرض فيه الخلائق على بارئهم؛ حفاة، عراة، غير مختنين، كيوم ولدتهم أمهاتهم، ذلك اليوم الشديد الهول؛ الذي يقول الكافر عندما يراه: (يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا)[النبأ: 40]، ذلك اليوم الذي تفتح فيه أبواب النار، فيكب فيها جنود إبليس، وعبيد المال، والمنافقون، يكبون فيها على وجوههم، ومأواهم الدرك الأسفل من النار، وكلما قيل لها: (هَلِ امْتَلَأْتِ)؟ قالت: (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)[ق: 30] و: (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا)[الإسراء: 97]، و: (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].
عباد الله: الأمر عظيم، والخطب جسيم، ووراء اليوم يوم أشد منه وأجسم وأعظم، فاغتنموا الوقت، وخذوا من صحتكم لمرضكم، ومن شبابكم لهرمكم، ومن دنياكم لآخرتكم، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[فاطر: 6].
واعلموا أن الحياة الدنيا لا تغني عن الآخرة شيئًا، فراقبوا أنفسكم قبل أن يأتي اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلاَّ من أتى الله بقلب سليم، والسعيد من وعظ بغيره، وحاسب نفسه، (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى)[النازعات: 39-41].
جعلنا الله وإياكم ممن يعملون للدارين، وهدانا صراطه المستقيم، أقول قولي هذا، وأسأل الله - جل وعلا - أن يغفر لي ولكم، ولسائر المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد صفوة الخلق، البشير النذير، والسراج المنير؛ الذي أمرنا- تبارك وتعالى - بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
أما بعد، أيها المسلمون: اعلموا أن العمل للدارين صفقة رابحة، فراقبوا أنفسكم، واحرسوا ألسنتكم، واعلموا أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فجدُّوا في عبادة ربكم، وأخلصوا لله ضمائركم، وجدُّوا في أمر معاشكم، وكسب قوتكم، كما جاء في الأثر: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا».
فجدُّوا عباد الله في أمر الدين، واجتهدوا في أمر الدنيا، وأخلصوا في عبادة ربكم وفي كسب رزقكم بما يسند إليكم من أعمال، أدوا أعمالكم ووظائفكم ومهامكم على أكمل وجه، كما قال الله - تعالى -: (وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ)[القصص: 77]، فالعاقل من جدَّ واجتهد، وحاز قصب السبق في أمر الدين والدنيا، والجاهل الأحمق من اتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
عباد الله: ها أنتم تعلمون الطريق واضحًا وأن الحجة قائمة، وأنكم سائرون: إمَّا إلى جنة، وإمَّا إلى نار، فادرؤوا عن أنفسكم الضُّر، واختاروا أحسن الطرق وأقربها إلى الله، واعلموا أن النفس أمَّارة بالسوء فاكبحوا جماحها، وأرشدوها للحق، وكونوا خير رقيب عليها.
والنَّفْسُ كَالطِفْلِ إِنْ *** تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى
حُبِّ الرَّضَاعِ وَإِنْ *** تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ
عباد الله: اعلموا أن الخير كل الخير فيما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -، فأحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - عليه الصلاة والسلام -، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق يارب العالمين، اللهم ولِّ علينا خيارنا، اللهم وانصرهم على من عاداهم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ووحِّد كلمتهم.
عباد الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)[النحل: 90 -91].
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.